فصل: مطلب أول سورة نزلت وفترة الوحي وسببها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ملا حويش:

عدد 4- 74.
نزلت بمكة بعد فترة الوحي، وبعد سورة المزمل بثلاث سنين أو ثلاثين شهرا.
وهي ست وخمسون آية.
ومائتان وخمس وخمسون كلمة.
وألف وعشرة أحرف.
بسم اللّه الرحمن الرحيم
قال تعالى: {يا أيُّها الْمُدّثِّرُ} بدثار النبوة تنبّه لما يلقى عليك من الوحي.
وإنما خاطبه ربه بذلك لأنه كان يقول بعد نزول الوحي عليه:
«دثروني دثروني»، ثم صار يخاطبه مرة ب {يا أيها النبي}، وأخرى {يا أيها الرسول} وتارة يكنى عنه بالضمير، وطورا يسميه باسمه، وقد أمره جل شأنه في هذه السورة بما يجب عليه من أمر الرسالة التي شرفه بها بعد أمره قبلا بالقراءة، وهو أول أمر من نوعه فقال: {قم} من دثارك {فأنذر} قومك وحذّرهم عذاب ربك، وقد ذكرنا أن هذه السورة أول سورة نزلت بعد فترة الوحي لانه بدأ بأول العلق ثم بسورة القلم ثم المزمل عدا الآيات المستثنيات منها كما أشرنا إليها في مواضعها، ثم فتر الوحي ثلاث سنين أو ثلاثين شهرا على اختلاف في ذلك لم ينزل فيها على النبي شيء من القرآن، ولم يتل على الناس غير السور الثلاث المذكورات، ولم يدعهم إلى شيء، ثم نزلت المدثر كما ذكرناه في حديث جابر المتقدم في مطلب فترة الوحي المارّ الذي رواه الشيخان إذ قال فيه: (سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي) ويدل أيضا قوله فيه: (فإذا الملك الذي جاء بحراء) وتقدم تفصيله هناك، وعقبه بقوله وأنزل اللّه يا أيها المدثر.
هذا، ومن قال إن المدثر أول سورة نزلت أراد أنه بعد فترة الوحي أولية اضافية لا مطلقة، ومن أراد الأولية المطلقة لا برهان له بها، وقد صرح الزهري بضعفه وعدم الاعتداد به، وقد وقعت فترات أخرى كالفترة التي وقعت بعد سورة الفجر وهي خمسة عشر يوما، وقد ظن البعض وتبعهم (درمنغام) المار ذكره في المقدمة، في بحث الشهادة في مدح الكتب الأربعة في مطلب الناسخ والمنسوخ.

.مطلب أول سورة نزلت وفترة الوحي وسببها:

إن الضحى نزلت بعد فترة الوحي وهي أول ما نزل والحال قد نزل قبلها بضع سور كما ستعلم، وان الذي نزل أولا هو المدثر كما ذكرنا.
وسبب الفترة الأولى هو تحريك قوى الرسول إلى اشتياق نسمات الوحي القدسية، فيذهب عنه ما كان يجده من الرعب والخوف، ويتلقّى الوحي بقبول وشوق وتعطش وانشراح صدر، وأ تزداد رغبته فيه.
وأما الفترة الثانية فقد جاء في الصحيحين عن جندب بن سليمان، أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتكى (توجع) فلم يقم ليلتين أو ثلاثا إلى تهجده وتلأوته فقالت امرأة: (هي أم جميل بنت أبي سفيان زوجة أبي لهب) يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، فلم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث، فأنزل الله: {والضُّحى} كما رواه الحاكم عن زيد بن أرقم أيضا. وكان هذا بعد نزول (تبّتْ يدا).
وروى ابن جرير من طريقين مرسلين أن جبريل أبطأ على النبي صلى الله عليه وسلم، فجزع جزعا شديدا فقالت خديجة: إني أرى ربك قد قلاك مما يرى من جزعك، فنزلت.
ومعارضة رواية الصحيحين بهذه الرواية المرسلة تسقط اعتبارها.
وقد جمع الحافظ ابن حجر بينهما بأن خديجة قالت ما قالت توجعا عليه صلى الله عليه وسلم، وحمّالة الحطب قالت ما قالت شماتة به، من الوحي المحمدي ص 100 من باب فترة الوحي، وأول ما نزل بتصرف، وما ذكرناه هو المعتمد عند المحدثين في أول ما نزل من القرآن، وفي مدة الفترة وأول ما نزل بعدها، وفي فترة سورة الضحى، وقد غلط مجاهد في قوله: {ن والْقلمِ} أول ما نزل هذا، وما روي عن علي عليه السلام، إن أول سورة نزلت هي الفاتحة واعتمدها الإمام محمد عبده، فإذا صحت هذه الرواية يكون المراد منها أنها أول سورة تامة نزلت بعد بدء الوحي بالتمهيد الكوني ثم بالأمر بالتبليغ الإجمالي، وتلاها فرض الصلاة وآية المزمل، أو نزلتا في زمن واحد.
وقد ذكرت آخر (العلق) المارة أن المراد بالصلاة الواردة بالآيات المكية من بدء نزول الوحي إلى نزول سورة الإسراء الآتية هي الركعتان اللّتان فرضها اللّه على الرسول صلى الله عليه وسلم وحده التي لم يزل يعمل بها هو ويعفي أصحابه من غير أن تفرض عليهم حتى فرضت الصلوات الخمس.
قال تعالى: {وربّك فكبِّرْ 3} عظمه ونزهه عن عبادة الأوثان التي انكب عليها قومك {وثِيابك فطهِّرْ 4} عن كل مستقذر لان قومك يجرّون ثيابهم في الأرض تكبرا وخيلاء ولا يحترزون من النجاسة وطهر نفسك مما هم عليه من القبائح، وقد كشنى بالثياب عن الجسد لاشتمالها عليه، وقد جاء بمثله عنترة في قوله:
وشككت بالرمح الأصم ثيابه ** ليس الكريم على القنا بمحرّم

أراد نفسه وجسمه، والعرب تعبّر بطهارة الثوب عن وصف صاحبه بالصدق والوفاء والعفاف.
ولما كان الثوب ملازما للانسان كنّوا به عنه يقال: الكريم في ثوبه، والعفة في إزاره، كما يقال للغادر خبيث الرداء دنس الثياب، وحيث وإن كانت الطهارة مطلوبة في الثوب والجسد فالأمر هنا يشملهما معا {والرُّجْز}
الذي يعبده قومك من دون اللّه {فاهْجُرْ 5} ولا تقربه أبدا {ولا تمْنُنْ} بما أعطاك اللّه في الرسالة والذكر على قومك وغيرهم {تسْتكْثِرُ 6} به في طلب الأجر منهم ولا تقل دعوتهم فلم يقبلوا مني، بل عد عليهم المرة بعد الأخرى وادعهم إلى عبادة اللّه ولا تستكثر تكرار دعوتك لهم، فإن لك الأجر العظيم بذلك، وقال بعض المفسرين لا تعط مالك وترى ما تعطيه كثيرا أو تطلب أكثر منه بناء على ما اعتاد قومه من العادات غير المرضية، انهم كانوا يعطون الهدية بقصد أن يهدى لهم أكثر منها، ومن أمثالهم، الهدية تأتي على حمار، وترجع على جمل، حثا للمهدي على إهداء الكثير، فنهى رسوله عن ذلك تنزيها لمنصب النبوة لأنه مأمور بأجل الأخلاق وأشرف الآداب ويدل على ما جرينا عليه قوله تعالى: {ولِربِّك فاصْبِرْ 7} لأن المعنى الذي ذكروه لا يحتاج إلى الصبر حتى يأمر به، ولأن من أعطى شيئا لغيره طلبا للزيادة لابد وأن يتواضع الذي أعطاه، ومنصب النبوة يجل عن ذلك كيف وهي تعلم الناس الإباء عن كل ما يخل بالاحترام ومكارم الأخلاق، وقيل هما رباءان حلال كالهدية الكثيرة لمن أهدى أقل منها وحرام لمن أعطى شيئا بأكثر منه، وقد استدلوا بالآية 38 من سورة الروم ج 2 وهي {وما آتيْتُمْ مِنْ رِبا لِيرْبُوا فِي أمْوالِ النّاسِ}.
وهو لعمري بعيد لأن الظاهر يأباه والمعنى لا ينطبق عليه وتفسيرها بالصورة التي ذكرناها أولا أولى وأوفق كما لا يخفى على بصير، وسيأتي لهذا البحث تفصيل في تفسيرها إن شاء اللّه، وعلى كل يقول اللّه جل قوله: فاصبر يا أكمل الرسل على أذاهم كيفما كان، فكل مصبور عليه مصبور عنه، واصبر على العمل بأوامر ربك ونواهيه فالدنيا كلها فانية {فإِذا نُقِر فِي النّاقُورِ 8} أي نفخ إسرافيل في البوق النفخة الأولى {فذلِك} يوم النفخ {يوْمئِذٍ يوْمٌ عسِيرٌ 9} شديد هوله {على الْكافِرِين غيْرُ يسِيرٍ 10} بل عسير جدا، وهي بلفظ يسير لتكرار التأكيد، وفي تخصيصه بالكافرين دلالة على أنه هين على المؤمنين إن شاء اللّه.

.مطلب ما نزل في الوليد بن المغيرة ثم في خبث أبي جهل:

{ذرْنِي} خل بيني {و} بين {منْ خلقْتُ} في بطن أمه {وحِيدا 11} لا مال له ولا ولد ولم يشاركني في خلقه أحد، فدعه وكله لي فأنا أكفيكه {وجعلْتُ لهُ مالا ممْدُودا 12} كثيرا غير منقطع إنماؤه، وكان له أرض بالطائف لا ينقطع ثمرها ومن النقد تسعة آلاف مثقال وإبل وخيل وغنم وعبيد وجوار كثيرة وكان قبل لا شيء عنده كما ذكر ابن عباس {وبنِين شُهودا 13} لا يغيبون عنه ولا يضعفون صيفا ولا شتاء لغنائهم ويحضرون معه المحافل ليعتزبهم وهم عشرة أسلم منهم خالد وهشام وعمارة فقط {ومهّدْتُ} بسطت {له} من العيش وكل ما يحتاجه {تمْهِيدا 14} مع الرئاسة على قومه وطول العمر، وكان يدعى ريحانة قريش.
والمراد به من هذه الآيات من ذرني فما بعد الوليد بن المغيرة المخزومي إن كان بدأ البعثة فقيرا لاسعة له في المال والولد، وكان عليه بعد أن منّ اللّه عليه بتلك السعة أن يؤمن بحضرة الرسول لا أن يكفر به حتى اقتضى نزول هذه الآيات فيه.
ومن هذا يستدل على أن هذه السورة لم تنزل جملة واحدة بل نزل القسم الأول منها، ثم نزل ما هو بحق الوليد بعد حيث لم تنزل سورة بتمامها قبل الفاتحة كما ذكرنا آنفا انه كانت تنزل الآية والآيتان والجملة والجملتان على حضرة الرسول ليتمّرن على تلقي كلام ربه، وما قيل ان هذه الآية منسوخة بآية السيف لا وجه له لأنها من الأخبار وقد ذكرنا قبلا أن الأخبار لا يدخلها النسخ في الآية/ 44 من سورة القلم المارة قال تعالى: {ثُمّ يطْمعُ} يرجو مع كفره وتكبره وعدم شكره وإيمانه {أنْ أزِيد 15} له مالا وبسطة وولدا {كلا} لا يطمع ولا يرجو فلا أفعل له ذلك مادام على ما هو عليه {إِنّهُ كان} ولا يزال {لِآياتِنا} المنزلة على رسولنا {عنِيدا 16} عاتيا لا يميل لدلائل توحيدنا منكرا لا يصدق رسولنا جاحدا النبوة واليوم الآخر والتوحيد قال مقاتل ما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقص من المال والولد والرفعة والجاه حتى هلك وكان كفره عنادا وهو أفحش انواع الكفر الأربعة المبينة في الآية 4 من سورة البروج الآتية {سأُرْهِقُهُ} ألجئه وأضايقه بشدة وقسر أن يصعد {صعُودا 17} جبلا شامحا في جهنم زيادة في مشقة العذاب لاراحة له معها، عن أبي سعيد الخدري قال: قال صلى الله عليه وسلم «الصعود عقبة في النار يتصعد فيها الكافر سبعين خريفا ثم يهوي بها سبعين خريفا فهو كذلك أبدا!» أخرجه الترمذي بلفظ غريب وهو ما رآه راء قط وسيأتي له بحث في تفسير الآية 8 من سورة الإسراء الآتية- وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:«(سأُرْهِقُهُ صعُودا) قال هو جبل من نار يكلف أن يصعده».
فإذا وضع يده ذابت، فإذا رفعها عادت يؤيده قوله تعالى: {كُلّما نضِجتْ جُلودُهُمْ بدّلْناهُمْ جُلودا غيْرها} الآية 56 من سورة النساء، ثم عدد مثالب الوليد الأخرى زيادة على ما بينه قبلا وفي الآية 9 فما بعدها في سورة القلم المارة فقال جل قوله: {إِنّهُ} عند سماع القرآن {فكّر} ماذا يقول فيه {وقدّر 18} هيأ كلاما في نفسه وذلك لما أنزل اللّه سورة حم الجاثية وقيل فصلت، وكان يصلي في المسجد، كان الوليد بن المغيرة قريبا منه يسمع قراءته ففطن له النبي صلى الله عليه وسلم فأعاد قراءة الآية فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه من بني مخزوم فقال: واللّه لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، واللّه إنّ له لحلأوة وإن عليه لطلأوة، وإن عليه لثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يعلى عليه، ثم انصرف إلى منزله فقالت قريش: صبأ واللّه الوليد ولتصبون قريش كلها، فقال أبو جهل: أنا أكفيكموه فانطلق حتى جلس إلى جنب الوليد حزينا، فقال له ما لي أراك حزينا يا ابن أخي فأجابه الخبيث: وما يمنعني أن لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك نفقة ليعينوك بها على كبر سنك، ويزعمونك أنك زيّنت كلام محمد وأنك تدخل على ابن أبي كبشة وابن أبي قحافة لتنال من فضل طعامهما، فغضب الوليد وقال: ألم تعلم قريش أني من أكثرهم مالا وولدا، وهل شبع محمد من الطعام حتى يكون له فضل؟ ثم قام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه فقال لهم: تزعمون أن محمدا مجنون فهل رأيتموه يحنق قط؟ قالوا: اللهم لا، قال: تزعمون أنه كاهن فهل رأيتموه تكهّن قط؟ قالوا: اللهم لا، قال تزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه ينطق بالشعر قط؟ قالوا اللهم لا، قال تزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه شيئا من الكذب قط؟ قالوا: اللهم لا، وكان يسمى الأمين قبل النبوة لصدقه، فقالت قريش للوليد: فما هو إذن؟ فتفكر في نفسه ثم قال: ما هو إلا ساحر، أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه فهو ساحر، وما يقوله ما هو إلا سحر يؤثر، فذلك قوله عز وجل: {فكّر وقدّر} وهذا مما يدل أيضا على أن هذه السورة لم تنزل دفعة واحدة، فإن الآيات من ذرني إلى آخرها متأخرة في النزول عنها، لأن سورة حم هذه لم تنزل بعد والحواميم كلها نزلت متتابعة كما سيأتي في الجزء الثاني.
وعلى القول بأنها نزلت معها تكون من قبيل الإخبار بالغيب، وسنزيد هذا البحث بحثا عند تفسيرها إن شاء اللّه القائل {فقُتِل} وعذّب وأهين {كيْف قدّر 19} وهذا الاستفهام على طريق التعجب والإنكار والتوبيخ {ثُمّ قُتِل كيْف قدّر 20} كرره تأكيدا اشعارا بأن هذا دعاء عليه أبلغ من الأول {ثُمّ نظر 21} في وجوه الناس يبين لهم ما يدفع به القرآن ويردّه {ثُمّ عبس} كلح وجهه واغبر {وبسر 22} تقطب وجهه واكفهر وزاد في التقبض، وأظهر العبوس قبل أو انه ومنه قيل لما لم ينضج من الثمر بسر.
ويأتي بمعنى العبوس مطلقا، وعليه قول ثوبة:
لقد رابني منها صدود رأيته ** وإعراضها عن حاجتي وبسورها

قال تعالى: {ثُمّ أدْبر} ولى بظهره عن الحق {واسْتكْبر 23} عن الإيمان به واختلق ما افتراه {فقال إِنْ} ما {هذا} الذي يتكلم به محمد {إِلّا سِحْرٌ يُؤْثرُ 24} يروى عن السحرة إن {هذا} الذي يقوله محمد {إِلّا قول الْبشرِ 25} يتلقاه عنهم ويحكيه لنا ما هو قول اللّه كما يزعم، قال تعالى: فدعه يا محمد وما يقول {سأُصْلِيهِ} أحرقه وأدخله {سقر 26} علم لجهنم لا ينصرف لعلتي التعريف والتأنيث {وما أدْراك} يا حبيبي {ما سقرُ 27} صدر الجملة بالاستفهام على سبيل التهويل والتعظيم، أي ما أعلمك ماهي هي {لا تُبْقِي} لحما {ولا تذرُ 28} عظما فلا يلقى فيها شيء إلا أحرقته وأذابته {لواحةٌ لِلْبشرِ 29} مغيرة جلودهم البيض سودا {عليْها تِسْعة عشر 30} ملكا هم خزنتها عدا مالك فإنه بوّابها، قال ابن عباس: لما نزلت هذه الآية قال أبو جهل لقريش ثكلتكم أمهاتكم اسمع من ابن أبي كبشة يخبر قومه، أن خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدهم الشجعان أفيعجز كل عشرة منكم أن تبطش بواحد منهم، فقال أبو الأشعر بن أسيد بن كلدة بن خلف الجمحي: أنا أكفيكم سبعة عشر، عشرة على ظهري، وسبعة على بطني، واكفوني أنتم اثنين.
ويروى عنه أنه قال: أنا أمشي بين أيديكم على الصراط فادفع عشرة بمنكبي الأيمن، وتسعة بمنكبي الأيسر في النار ونمضي فندخل الجنة، فأنزل اللّه جل إنزاله {وما جعلْنا أصْحاب النّارِ} خزنتها {إِلّا ملائِكة} لا رجالا فمن ذا يغلبهم، وإن واحدا منهم كاف لتعذيب الثقلين، وليس فيهم مظنة الرحمة والرأفة لأنهم ليسوا من جنس المعذّبين.
راجع الآية 6 من سورة التحريم، {وما جعلْنا عِدّتهُمْ إِلّا فِتْنة} امتحانا {لِلّذِين كفرُوا} يقولوا ما قالوه وقد جئنا بهذا العدد {لِيسْتيْقِن الّذِين أوتُوا الْكِتاب} صحة ما أنزلناه على محمد لأن هذا العدد مكتوب في التوراة والإنجيل وليتيقنوا أن محمدا لم يقل شيئا من نفسه وان كل ما يقوله من عند اللّه تعالى مصدق لكتابهم.