الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)
وقيل: الشعوب: الموالي، والقبائل: العرب. وقال أبو روق: الشعوب: الذين ينسبون إلى المدائن والقرى، والقبائل: الذين ينسبون إلى آبائهم. انتهى. وواحد الشعوب شعب، بفتح الشين. وشعب: بطن من همدان ينسب إليه عامر الشعبي من سادات التابعين، والنسب إلى الشعوب شعوبية، بفتح الشين، وهم الأمم التي ليست بعرب. وقيل: هم الذين يفضلون العجم على العرب، وكان أبو عبيدة خارجياً شعوبياً، وله كتاب في مناقب العرب، ولابن غرسبة رسالة فصيحة في تفضيل العجم على العرب، وقد رد عليه ذلك علماء الأندلس برسائل عديدة. وقرأ الجمهور: {لتعارفوا}، مضارع تعارف، محذوف التاء؛ والأعمش: بتاءين؛ ومجاهد، وابن كثير في رواية، وابن محيصن: بإدغام التاء في التاء؛ وابن عباس، وأبان عن عاصم: لتعرفوا، مضارع عرف؛ والمعنى: أنكم جعلكم الله تعالى ما ذكر، كي يعرف بعضكم بعضاً في النسب، فلا ينتمي إلى غير آبائه، لا التفاخر بالآباء والأجداد، ودعوى التفاضل، وهي التقوى. وفي خطبته عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكة: «إنما الناس رجلان، مؤمن تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله»، ثم قرأ الآية. وعنه صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله» وما زال التفاخر بالأنساب في الجاهلية والإسلام، وبالبلاد، وبالبلاد وبالمذاهب وبالعلوم وبالصنائع، وأكثره بالأنساب: ومن ذلك: افتخار أولاد مشايخ الزوايا الصوفية بآبائهم، واحترام الناس لهم بذلك وتعظيمهم لهم، وإن كان الأولاد بخلاف الآباء في الدين والصلاح. وقرأ الجمهور: إن، بكسر الهمزة؛ وابن عباس: بفتحها، وكان قرأ: لتعرفوا، مضارع عرف، فاحتمل أن تكون أن معمولة لتعرفوا، وتكون اللام في لتعرفوا لام الأمر، وهو أجود من حيث المعنى.وأما إن كانت لام كي، فلا يظهر المعنى أن جعلهم شعوباً وقبائل لأن تعرفوا أن الأكرم هو الأتقى. فإن جعلت مفعول لتعرفوا محذوفاً، أي لتعرفوا الحق، لأن أكرمكم عند الله أتقاكم، ساغ في لام لتعارفوا أن تكون لام كي.{قالت الأعراب آمنا}، قال مجاهد: نزلت في بني أسد بن خزيمة، قبيلة تجاور المدينة، أظهروا الإسلام وقلوبهم دخلة، إنما يحبون المغانم وعرض الدنيا. وقيل: مزينة وجهينة وأسلم وأشجع وغفار قالوا آمنا فاستحققنا الكرامة، فردّ الله تعالى عليهم بقوله: {قل لم تؤمنوا}، أكذبهم الله في دعوى الإيمان، ولم يصرح بإكذابهم بلفظه، بل بما دل عليه من انتفاء إيمانهم، وهذا في أعراب مخصوصين. فقد قال الله تعالى: {ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر} الآية.{ولكن قولوا أسلمنا}، فهو اللفظ الصادق من أقوالكم، وهو الاستسلام والانقياد ظاهراً، ولم يواطئ أقوالكم ما في قلوبكم، فلذلك قال: {ولما يدخل الإيمان في قلوبكم}: وجاء النفي بلما الدالة على انتفاء الشيء إلى زمان الإخبار، وتبين أن قوله: {لم تؤمنوا} لا يراد به انتفاء الإيمان في الزمن الماضي، بل متصلاً بزمان الإخبار أيضاً، لأنك إذا نفيت بلم، جاز أن يكون النفي قد انقطع، ولذلك يجوز أن تقول: لم يقم زيد وقد قام، وجاز أن يكون النفي متصلاً بزمن الإخبار. فإذا كان متصلاً بزمن الإخبار، لم يجز أن تقول: وقد قام، لتكاذب الخبرين. وأما لما، فإنها تدل على نفي الشيء متصلاً بزمان الإخبار، ولذلك امتنع لما يقم زيد وقد قام للتكاذب. والظاهر أن قوله: {لما يدخل الإيمان في قلوبكم} ليس له تعلق بما قبله من جهة الإعراب. وقال الزمخشري: فإن قلت: هو بعد قوله: {قل لم تؤمنوا} يشبه التكرير من غير استقلال بفائدة متجددة؛ قلت: ليس كذلك، فإن فائدة قوله: {لم تؤمنوا} هو تكذيب دعواهم، وقوله: {ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} توقيت لما أمروا به أن يقولوه، كأنه قيل لهم: {ولكن قولوا أسلمنا} حين لم يثبت مواطأة قلوبكم لألسنتكم، لأنه كلام واقع موقع الحال من الضمير في قوله: {قولوا}. انتهى.والذي يظهر أنهم أمروا أن يقولوا: {قولوا أسلمنا} غير مقيد بحال، وأن {ولما يدخل الإيمان} إخبار غير قيد في قولهم. وقال الزمخشري: وما في لما من معنى التوقع دال على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد. انتهى، ولا أدري من أي وجه يكون ما نفي بلما يقع بعد ولما، إنما تنفي ما كان متصلاً بزمان الإخبار، ولا تدل على ما ذكر، وهي جواب لقد فعل، وهب أن قد تدل على توقع الفعل. فإذا نفي ما دل على التوقع، فكيف يتوهم أنه يقع بعد: {وإن تطيعوا الله ورسوله} بالإيمان والأعمال؟ وهذا فتح لباب التوبة.وقرأ الجمهور: {لا يلتكم}، من لات يليت، وهي لغة الحجاز. والحسن والأعرج وأبو عمرو: ولا يألتكم، من ألت، وهي لغة غطفان وأسد. {ثم لم يرتابوا}، ثم تقتضي التراخي، وانتفاء الريبة يجب أن يقارن الإيمان، فقيل: من ترتيب الكلام لا من ترتيب الزمان، أي ثم أقول لم يرتابوا. وقيل: قد يخلص الإيمان، ثم يعترضه ما يثلم إخلاصه، فنفي ذلك، فحصل التراخي، أو أريد انتفاء الريبة في الأزمان المتراخية المتطاولة، فحاله في ذلك كحاله في الزمان الأول الذي آمن فيه. {أولئك هم الصادقون}: أي في قولهم آمنا، حيث طابقت ألسنتهم عقائدهم، وظهرت ثمرة ذلك عليهم بالجهاد بالنفس والمال. وفي سبيل الله يشمل جميع الطاعات البدنية والمالية، وليسوا كأعراب بني أسد في قولهم آمنا، وهم كاذبون في ذلك.{قل أتعلمون الله بدينكم}، هي منقولة من: علمت به، أي شعرت به، ولذلك تعدّت إلى واحد بنفسها وإلى الآخر بحرف الجر لما ثقلت بالتضعيف، وفي ذلك تجهيل لهم، حيث ظنوا أن ذلك يخفى على الله تعالى. ثم ذكر إحاطة علمه بما في السموات والأرض. ويقال: منّ عليهم بيد أسداها إليه، أي أنعم عليه. المنة: النعمة التي لا يطلب لها ثواب، ثم يقال: منّ عليه صنعه، إذا اعتده عليه منة وإنعاماً، أي يعتدون عليك أن أسلموا، فإن أسلموا في موضع المفعول، ولذلك تعدى إليه في قوله: {قل لا تمنوا عليّ إسلامكم}. ويجوز أن يكون أسلموا مفعولاً من أجله، أي يتفضلون عليك بإسلامهم. {أن هداكم للإيمان} بزعمكم، وتعليق المن بهدايتهم بشرط الصدق يدل على أنهم ليسوا مؤمنين، إذ قد بين تعالى كذبهم في قولهم آمنا بقوله: {قل لم تؤمنوا}. وقرأ عبد الله وزيد بن عليّ، إذ هداكم، جعلا إذ مكان إن، وكلاهما تعليل، وجواب الشرط محذوف، أي {إن كنتم صادقين}، فهو المانّ عليكم. وقرأ ابن كثير وأبان عن عاصم: يعلمون، بياء الغيبة، والجمهور: بتاء الخطاب.
وقال ابن عباس: المريج: الأمر المنكر، وعنه أيضاً مختلط، وقال الشاعر: والأصل فيه الاضطراب والقلق. مرج الخاتم في أصبعي، إذا قلق من الهزال. ويجوز أن يكون الأمر المريج، باعتبار انتقال أفكارهم فيما جاء به المنذر قائلاً عدم قبولهم أول إنذاره إياهم، ثم العجب منهم، ثم استعباد البعث الذي أنذر به، ثم التكذيب لما جاء به. {أفلم ينظروا} حين كفروا بالبعث وبما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إلى آثار قدرة الله تعالى في العالم العلوي والسفلي، {كيف بنيناها} مرتفعة من غير عمد، {وزيناها} بالنيرين وبالنجوم، {وما لها من فروج}: أي من فتوق وسقوف، بل هي سليمة من كل خلل.{والأرض مددناها}: بسطناها، {وألقينا فيها رواسي}، أي جبالاً ثوابت تمنعها من التكفؤ، {من كل زوج}: أي نوع، {بهيج}: أي حسن المنظر بهيج، أي يسر من نظر إليه. وقرأ الجمهور: {تبصرة وذكرى} بالنصب، وهما منصوبان بفعل مضمر من لفظهما، أي بصر وذكر. وقيل: مفعول من أجله. وقرأ زيد بن علي: تبصرة بالرفع، وذكر معطوف عليه، أي ذلك الخلق على ذلك الوصف تبصرة، والمعنى: يتبصر بذلك ويتذكر، {كل عبد منيب}: أي راجع إلى ربه مفكر في بدائع صنعه. {ماء مباركاً}: أي كثير المنفعة، {وحب الحصيد}: أي الحب الحصيد، فهو من حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، كما يقوله البصريون، والحصيد: كل ما يحصد مما له حب، كالبر والشعير. {باسقات}: أي طوالاً في العلو، وهو منصوب على الحال، وهي حال مقدرة، لأنها حالة الإنبات، لم تكن طوالاً. وباسقات جمع. {والنخل} اسم جنس، فيجوز أن يذكر، نحو قوله: {نخل منقعر} وأن يؤنث نحو قوله تعالى: {نخل خاوية} وأن يجمع باعتبار إفراده، ومنه باسقات، وقوله: {وينشئ السحاب الثقال} والجمهور: باسقات بالسين. وروى قطبة بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قرأ: باصقات بالصاد، وهي لغة لبني العنبر، يبدلون من السين صاداً إذا وليتها، أو فصل بحرف أو حرفين، خاء أو عين أو قاف أو طاء. {لها طلع}: تقدم شرحه عند {من طلعها قنوان دانية} {نضيد}: أي منضود بعضه فوق بعض، بريد كثرة الطلع وتراكمه، أي كثرة ما فيه من الثمر. وأول ظهور الثمر في الكفرى هو أبيض ينضد كحب الرمان، فما دام ملتصقاً بعضه ببعض فهو نضيد، فإذا خرج من الكفرى تفرق فليس بنضيد.و{رزقاً} نصب على المصدر، لأن معنى: وأنبتنا رزقنا، أو على أنه مفعول له. وقرأ الجمهور: {ميتاً} بالتخفيف؛ وأبو جعفر، وخالد: بالتثقيل، والإشارة في ذلك إلى الإحياء، أي الخروج من الأرض أحياء بعد موتكم، مثل ذلك الحياة للبلدة الميت، وهذه كلها أمثلة وأدلة على البعث.وذكر تعالى في السماء ثلاثة: البناء والتزين ونفي الفروج، وفي الأرض ثلاثة: المد وإلقاء الرواسي والإنبات. قابل المد بالبناء، لأن المد وضع والبناء رفع. وإلقاء الرواسي بالتزيين بالكواكب، لارتكاز كل واحد منهما. والإنبات المترتب على الشق بانتفاء الفروج، فلا شق فيها. ونبه فيما تعلق به الإنبات على ما يقطف كل سنة ويبقي أصله، وما يزرع كل سنة أو سنتين ويقطف كل سنة، وعلى ما اختلط من جنسين، فبعض الثمار فاكهة لا قوت، وأكثر الزرع قوت والثمر فاكهة وقوت.ولما ذكر تعالى قوله: {بل كذبوا بالحق لما جاءهم}، ذكر من كذب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم، وتقدم الكلام على مفردات هذه الآية هذه الآية وقصص من ذكر فيها. وقرأ أبو جعفر، وشيبة، وطلحة، ونافع: الأيكة بلام التعريف؛ والجمهور: ليكة. {كل كذب الرسل}: أي كلهم، أي جميعهم كذب؛ وحمل على لفظ كل، فأفرد الضمير في كذب. وقال الزمخشري: يجوز أن يراد به كل واحد منهم. انتهى. والتنوين في كل تنوين عوض من المضاف إليه المحذوف. وأجاز محمد بن الوليد، وهو من قدماء نحاة مصر، أن يحذف التنوين من كل جعله غاية، ويبنى على الضم، كما يبنى قبل وبعد، فأجاز كل منطلق بضم اللام دون تنوين، ورد ذلك عليه الأخفش الصغير، وهو علي بن سليمان. {فحق وعيد}: أي وجب تعذيب الأمم المكذبة وإهلاكهم، وفي ذلك تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم، وتهديد لقريش ومن كذب الرسول.
|